أسامة داود يكتب : مستشفى الأورام الذي لم يغلق بابه في وجه مريض

أسامة داود يكتب : مستشفى الأورام الذي لم يغلق بابه في وجه مريض

   

220 مليون جنيه توجه للعلاج والمستلزمات والأدوية فقط وليس من بينها جنيه واحد للأجور أو المكافآت

يعيش على أقل القليل من الموارد المالية وهو الحضن الدافئ لمرضى الأورام 

يعالج 26 ألف مريض سرطان سنويا رغم محدودية أسرّته التى لا تتجاوز حاليا 500

ينفذ 17 ألف جلسة إشعاع سنويا و23 ألف أشعة تشخيصية و100 ألف جلسة علاج كيماوى

رسالة مؤسسة اصدقاء المعهد القومى الأورام هى دعم العلاج المجانى

مؤسسة أصدقاء المعهد حصلت مؤخرا على التراخيص اللازمة بعد محاولات عرقلتها


 بالعنوان رقم واحد بشارع قصر العينى تقع المؤسسة العلاجية المتخصصة في علاج السرطان في مصر وتعود إلى فكرة بدأت فى عام 1954 أى قبل 70 عاما

 منذ ذلك التاريخ.. وبعدها بخمس سنوات وتحديدا فى عام 1959 بدأ تأسيس المؤسسة على جزء من حديقة مجرى العيون على نيل مصر .. مبنى مكون من 6 طوابق مجهز كأول مستشفى للاستشفاء من السرطان واستخدام الذرّة فى العلاج بعدما أوحيت للقائمين على شئون الدولة تلك الفكرة من مستشفى البحرية الأمريكية وهو أول مستشفى فى العالم استخدم الذرّة فى العلاج.

إنه المعهد القومى للأورام أو مستشفى السرطان سابقًا، والتابع لجامعة القاهرة.. هو الحاضن الذى ولد من رحمه آلاف الاطباء والعناصر الفنية المدربة والمؤهلة على التعامل مع مريض الأورام.. هو القلعة التى بها نمت علوم كثيرة وعبر بحوث أكثر.. ومن خلال خبراء عالميين وفدوا إليه وخبراء مصريين درسوا فى الخارج وبدأوا معه الرحلة.. رحلة التشخيص لأخطر أمراض العصر على الإطلاق ثم العلاج، إنه المرض الذى لا يزال يمثل لغزا لم يستطع العلم حله والوصول إلى ما يمنع الإصابة به.

فكل الأوبئة والأمراض لها عمر زمنى رغم خطورتها منذ بداية ظهورها إلى السيطرة عليها، منها البلهارسيا وشلل الأطفال والكوليرا وفيروس سى وكلها تم السيطرة عليها ووأدها بعد مصارعتها بالعلم.

لكن السرطان مرض يتصف بالخبث والمكر والدهاء، فرغم الاكتشافات الحديثة لعلاجات لها القدرة على السيطرة على العديد من الإصابات بها والشفاء بإذن الله منها، إلا أنه لا يزال هو اللغز الذى لم يصلوا إلى القدرة على التوصل إلى أمصال أو لقاحات يمكن أن تحمى ملايين البشر من التعرض للإصابة به.. ربما لكونه مرضًا يمثل نتاجًا لأمراض أخرى وأسباب كثيرة يقع على رأسها التدخين والعوامل الوراثية والتلوث بكل أنواعه وأمراض الكبد والبروستاتا والمثانة وغيرها من مسبباته.. إنه السرطان وقانا الله وإياكم والعالم كله شره.

معهد الأورام بدأ بمبناه الشمالى ذى الطوابق الستة ثم مبناه الجنوبى الذى أنشئ فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى وتعرض للانهيار بسبب فساد فى عمليات الإنشاء ومواد بنائه لا يسمح المجال الآن لذكرها.. لكنه عاد إلى دخول الخدمة بعد الخروج منها بحوالى 10 سنوات جرى فيها إعادة الحياة له عبر زرع أعمدة خرسانية جديدة وتحويله إلى مبنى عالمى بأدواره الـ 13.

 المستشفى يتردد عليه 315 ألف مريض سنويًا، فهو ملجأ الغلابة وحضن الفقراء والضعفاء من المرضى.. ليتولى علاج ما يقارب 26 ألف مريض سرطان سنويا وهو رقم صعب أن تتولاه أى مؤسسة علاجية فى العالم ولكنه المعهد القومى للأورام رغم محدودية أسرّته التى لا تتجاوز حاليا 500 سرير منها 44 سرير رعاية مركزة.

هذا المستشفى لم يغلق بابه فى وجه أحد من فقراء الشعب من أسوان إلى الإسكندرية ومن محافظات القناة إلى سيوة والسلوم.. ويتولى تنفيذ 17 ألف جلسة إشعاع سنويا و23 ألف أشعة تشخيصية والوصول إلى ما يقرب من 100 ألف جلسة علاج كيماوى ومليون و100 ألف فحص تحليل وما يقرب من 10 آلاف عملية جراحية كبرى ودقيقة وجراحة مناظير.

المستشفى يتولى العمل به 860 عضو هيئة تدريس ونائب وطبيب و540 عنصر تمريض تعج بهم ردهات المعهد على مدار الساعة دون توقف.. عجلة العمل به وعلى مدار ما يقرب من 70 عامًا من الزمان تدور على طريقة الجنود فى المعارك لكون معركتهم التى يعيشونها لم تتوقف لحظة مع أشرس أنواع المرض الملقب بالخبيث والردىء وغيرها من مسميات، بينما الجيوش تحارب لأيام أو لشهور ولكن الحرب مع العدو الأقوى والأشرس للإنسان وهو السرطان مستمرة بلا توقف.

40 عيادة تستقبل الآلاف يوميا 

أتحدث عن قلعة علاج الأورام التى تولت وعبر تلك العقود الطويلة تخريج كل خبراء الطب فى  العالم العربى وإفريقيا بل ويتربع بعضهم على قمة مؤسسات علاج الأورام فى العالم فى أمريكا وكندا وبريطانيا وألمانيا وغيرها مصريون تخرجوا فى مدرسة المعهد القومى للأورام صاحب اليد العليا فى تشخيص وعلاج الأورام.. نراه تصطف أمامه طوابير من المرضى يتم فحصهم يوميًا عبر 40 عيادة تعمل وفق منهج موضوع بحرفية عالية يجلس بها أساتذة من كبار العلماء وبجانبهم نواب يتابعون ويشاركون فى الفحص وتحديد الإصابات وتدوين ما يلزم من فحوصات للوصول إلى التشخيص ثم بدء مرحلة العلاج ليجد المريض نفسه يتحرك وفق منظومة تتابعه دون أن يشغل ذووه بالهم بمواعيد الأدوية أو الحجز أو العرض أو المتابعة، كلها تتم عبر تنبيهات ومتابعة من داخل المعهد مع كل مريض من الـ 315 ألف مريض متردد بينهم ما يقرب من 27 ألفًا يعالجون كما ذكرت سنويًا.

يستقبل الاطفال والكبار دون شروط 

والسؤال: كم تتطلب تلك الأرقام من أموال؟.. ربما بالأرقام العالمية تحتاج إلى مليارات الجنيهات سنويًا تكاليف أدوية ومستلزمات وأجهزة وخدمات للإقامة والمتابعة.

أتحدث عن جيش مقاتل من الأطباء والعناصر الفنية تعمل دون توقف وفى ظل ظروف مادية غاية فى الصعوبة بالنسبة لمستلزمات وأدوية وعلاجات ثم الجرعة قد تتجاوز المائة ألف جنيه لكن المعهد يقدم ما يستطيع منها لكونه الملجأ الذى يتوافد عليه المصريون يقفون فى طوابير انتظار لدورهم ولكن دون أن يغلق بابًا فى وجوههم؟

أطفال يتعلقون بأعناق أمهاتهم جاءوا إليه لكونه الباب الوحيد الذى جعله الله لا يغلق فى وجوههم يستقبلهم ويتعامل مع حالاتهم بجد ومهارة للوصول إلى علاج، فهناك طابقان مخصصان للأطفال يستقبلان آلاف المترددين ليتم علاجهم بأعداد تفوق ما تعالجه باقى  المستشفيات.

المعهد القومى للأورام يعيش على أقل القليل من الموارد المالية ومع عودة مؤسسة أصدقاء المعهد القومى للأورام يكون هناك دور مهم لها لتقديم التمويل اللازم لمواجهة ارتفاعات أسعار الدواء وتطوير العيادات وإنشاء دار ضيافة وإدخال العلاج النفسى بشكل مؤسسى لمتابعة حالات المصابين بالأورام نفسيًا ورفع معنوياتهم حتى القيام بدور اجتماعى بإنشاء حضانة تستقبل أطفال العاملات بالمعهد ليتفرغن لعملهن بصورة جيدة مع المرضى.

ومؤسسة أصدقاء المعهد القومى للأورام يمكن أن تعيد الحياة وتكون هى السند بعد الله سبحانه وتعالى للمعهد ولها أيادٍ بيضاء حيث استطاعت بناء عيادات المعهد القائمة حاليًا ومن التبرعات التى كانت تتلقاها وهى العيادات التى كانت سابقًا ونتيجة لحالة الضيق التى عانى منها المعهد تحتل أماكن كانت تستخدم سابقًا كثلاجات للموتى دون نوافذ أو فتحات تهوية!

ينفق 100% من التبرعات على العلاج  

والآن يأتى دور مؤسسة أصدقاء المعهد القومى للأورام والتى تنفق تبرعاتها بنسبة 100% على العلاجات والمستلزمات الطبية وما يخص المرضى بكل شرائحهم أطفال أو كبار خاصة أن المعهد يعانى أزمات مادية نتيجة لضآلة ميزانيته، ولكن الأمل فى الله أولا ثم أهل الخير ومن خلال مؤسسة أصدقاء المعهد القومى للأورام التى حصلت مؤخرًا على التراخيص اللازمة بعد محاولات لعرقلتها لكونها سوف تعلن عن ميزانياتها وكل ما يصل إليها من تبرعات وإلى جهات ومجالات إنفاقها وتخضع نفسها للرقابة المجتمعية والشعبية بجانب كافة الأجهزة المعنية والتابعة للدولة. 

ولكن عندما نبحث نجد أن نصيب معهد الاورام من ميزانية جامعة القاهرة لا يتجاوز 50 مليون جنيه كما أن التأمين الصحى من خلال علاج مرضاه بالمعهد يتحمل نفس المبلغ تقريبا وهو 50 مليون جنيه ومثلهم مقابل العلاج على نفقة الدولة بينما تتولى التبرعات التى لم تصل إلى 70 مليون جنيه تغطية باقى الإنفاق، وكل تلك المبالغ توجه إلى العلاج والمستلزمات والأدوية وليس من بينها جنيه واحد للأجور أو المكافآت أو غيرها.. وكان المعهد يتولى من خلال لجنة مشكلة من بينها مفتى الجمهورية الأسبق نصر فريد واصل متابعة وتوجيه تلك التبرعات إلى الأدوية والمستلزمات وبإنفاق عبر شفافية تامة.

دعم العلاج المجانى رسالة جمعية أصدقاء المعهد

وإعادة مؤسسة أصدقاء المعهد القومى للأورام والتى ترتبط بالمعهد ارتباطا وثيقا ويمثلها عميد المعهد القومى للأورام بصفته تأكيد على أن دورها هو تدبير التمويل اللازم لمواجهة غول السرطان واستقبال مئات الآلاف سنويا وعلاج عشرات الآلاف بمختلف العلاجات المطلوبة لهم سواء جلسات إشعاع أو كيماوى أو هرمونى أو جراحات أو مناظير ، بالإضافة إلى ملايين الفحوصات التى تتم وعبر أجهزة حديثة وفريق عمل لا يكل ولا يمل فى سبيل تخفيف آلام الفقراء وطبقات أخرى تلجأ للمعهد بعد ارتفاع أسعار الأدوية والعلاجات دون توقف.

 مؤسسة أصدقاء المعهد القومى للأورام عادت من جديد بعد عملية إقصاء لها بهدف تهميش دور المعهد القومى الذي يمثل القلعة الطبية الرائدة فى العالم العربى وأول مؤسسة لعلاج الأورام فى الشرق الأوسط وأفريقيا وعلى مستوى العالم العربى ومن أوائل معاهد علاج السرطان فى العالم أجمع.

إن المعهد القومى يمثل الحضن الدافئ لمرضى الأورام ومقصد الفقراء هو البلسم والترياق الذى جعله الله على أرض مصر ليجعلها رغم كل ما تعانيه هى القبلة التى يقصدها العالم العربى وليس شعب مصر فقط به من كل الجنسيات.. لم يغلق بابه فى وجه أحد كبارا أو أطفالا.

إنه المعهد الذى يعمل لصالح المجتمع بكل فئاته وطبقاته ويرتبط مع مؤسسته الأولى التى أسسها ويعيدها للحياة بعد محاولات لإخفائها من جانب البعض، كما يعمل وفق منهج ورؤية علمية وعلاجية ويدار بواسطة مجموعات من الخبراء والعلماء والباحثين فى علم تشخيص وعلاج الأورام.

عودة مؤسسة أصدقاء المعهد القومى للأورام من خلال إعادة المبنى الجنوبى للمعهد بأدواره الـ13 مع إعادة تأهيل الطوابق الثلاثة بالمبنى الشمالى والذى أنشأه جمال عبد الناصر فى عام 1959 أصبح ضرورة.

 وإن كان هناك مئات الآلاف يترددون على المعهد القومى للأورام ومن بينهم عشرات الآلاف يتلقون العلاج سنويا فعلينا أن نسأل أنفسنا كم يحتاج المعهد من دعم مالى لمواجهة أعبائه.

كم تتطلب تلك الأرقام من أموال ربما بالأرقام العالمية تحتاج إلى مليارات الجنيهات سنويًا تكاليف أدوية ومستلزمات وأجهزة وخدمات للإقامة والمتابعة.